حكاية وقصة ومعلومة حكاية وقصة ومعلومة
recent

آخر الأخبار

recent
[cover]
جاري التحميل ...

سيرة الناصر داوود -حكاية وقصة ومعلومة

 الناصر داوود  

  السُّلْطَان، الْملك النَّاصِر، صَلاَح الدِّيْنِ، أَبُو المَفَاخِرِ داود ابن السلطان الملك المعظم عيسى ابن العَادلِ.

 مَوْلِدُهُ بِدِمَشْقَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ.

  جَاز لَهُ المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَأَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيّ، وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ أَبِي الحَسَنِ القَطِيْعِيّ بِبَغْدَادَ، وَمِنِ ابْنِ اللُّتِّيّ بِالكَرَك.

 وَكَانَ فَقِيْهاً حنفِياً ذَكِيّاً، مُنَاظِراً، أَدِيْباً شَاعِراً بَدِيْع النَّظْمِ، مُشَارِكاً فِي عُلُوْم، تَسَلْطَن عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، وَأَحَبّه أَهْلُ البَلَدِ، فَأَقْبَل عَمَّاهُ الكَامِل وَالأَشْرَف فَحَاصَرَاهُ أَشْهُراً، ثُمَّ انْفَصل عَنْ دِمَشْق فِي أَثْنَاء سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، وَقنع بِالكَرَك، وَأَعْطَوْهُ مَعَهَا نَابُلُس وَعَجْلُوْنَ وَالصَّلْت وَقُرَى بَيْت المَقْدِسِ سِوَى البَلَدِ فَإِنَّهُ أَخَذَه الأَنبروز الإِفرنجِي الَّذِي أَنْجَدَ الكَامِل، ثُمَّ زَوَّجَهُ الكَامِل بِابْنته فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنهُمَا فَفَارقَ البِنْتَ، ثُمَّ بَعْدَ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ سَارَ إِلَى المُسْتَنْصِر بِاللهِ، وَقَدَّمَ لَهُ تُحَفاً، وَاجْتَمَعَ بِهِ وَأَكْرَمَهُ بَعْد امتنَاع بِعَمَلِ قَصِيدتِهِ الفَائِقَةِ وَهِيَ: ودان ألمت بالكثيب ذوائبه 

 وجنح الداجي وَحْف تَجول غَيَاهِبُهْ تُقَهْقِهُ فِي تِلْكَ الرُّبوعِ رُعُوْدُهُ 

 وَتَبْكِي عَلَى تِلْكَ الطُّلولِ سَحَائِبُهْ إِلَى أَنْ بدَا مِنْ أَشْقَرِ الصُّبْحِ قادمٌ 

 يُرَاعُ لَهُ مِنْ أَدْهَمِ اللَّيْلِ هَارِبُهْ منهَا: أَلاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَمَنْ غَدَتْ 

 عَلَى كَاهِلِ الجَوْزَاء تَعْلُو مَرَاتِبُهْ أَيَحْسُنُ فِي شَرْعِ المَعَالِي وَدِيْنِهَا 

 وَأَنْتَ الَّذِي تُعْزَى إِلَيْهِ مَذَاهِبُهْ بِأَنِّي أخوض الدو والدو مقر 

 سباريته مغبرة وسباسبه وَقَدْ رَصَدَ الأَعْدَاءُ لِي كُلَّ مرصدٍ 

 فَكُلُّهُم نَحْوِي تَدِبُّ عَقَارِبُهْ وَآتيكَ وَالعَضْبُ المُهَنَّد مُصْلَتٌ 

 طرِير شبَاهُ قَانِيَاتٌ ذوَائِبُه وَأُنْزلُ آمَالِي بِبَابِكَ رَاجِياً 

 بَوَاهِرَ جَاه يَبْهَرُ النَّجْمَ ثَاقِبُه فَتقبل مِنِّي عَبْدَ رقٍ فَيغتدِي 

 لَهُ الدَّهْر عَبْداً خَاضِعاً لاَ يُغَالِبُه وَتُنْعِمُ فِي حقِّي بِمَا أَنْتَ أَهْلُه 

 وَتُعلِي مَحَلِّي فَالسُّهَا لاَ يُقَارِبُه وَتُلبِسنِي مِنْ نسجِ ظلِّك حُلَّةً 

 تشرف قدر النَّيِّرِيْنَ جلاَبِبُهْ وَتُركبنِي نُعْمِى أَيَادِيك مَرْكباً 

 عَلَى الفَلَكِ الأَعْلَى تَسِيرُ مَرَاكِبُه وَيَأْتيك غَيْرِي مِنْ بلادٍ قَرِيْبَة 

 لَهُ الأَمْنُ فِيْهَا صَاحِبٌ لاَ يُجَانِبُه فَيلقَى دنُوّاً مِنْكَ لَمْ أَلقَ مِثْلَهُ 

 وَيَحْظَى وَلاَ أَحْظَى بِمَا أَنَا طَالِبُه وَيَنْظُرُ مِنْ لأْلاَءِ قُدْسِكَ نَظرَةً 

 فَيَرْجِعُ وَالنُّوْرُ الإِمَامِيُّ صَاحِبُه وَلَوْ كَانَ يَعْلُونِي بنَفْسٍ ورتبةٍ 

 وَصِدْقِ وَلاَءٍ لَسْتُ فِيْهِ أُصَاقِبُه لَكُنْتُ أُسلِّي النَّفْسَ عَمَّا تَرُومُه 

 وَكُنْتُ أَذُودُ العَيْنَ عَمَّا تُرَاقِبُه وَلَكِنَّهُ مِثْلِي وَلَو قُلْتُ إِنَّنِي 

 أَزِيْدُ عَلَيْهِ لَمْ يَعِبْ ذَاكَ عَائِبُه وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَملأ المَالُ عَينَهُ 

 وَلاَ بِسوَى التَّقْرِيْب تُقْضَى مَآرِبُه وَلاَ بِالَّذِي يُرْضِيْهِ دُوْنَ نَظِيْرِهِ 

 وَلَوْ أُنْعِلَتْ بِالنَّيِّرَات مَرَاكِبُه وَبِي ظَمَأٌ رُؤيَاكَ مَنْهَلُ ريِّهِ 

 وَلاَ غروَ أَنْ تَصفو لَدَيَّ مشاربه ومن عجب أني لدى الحبر واقفٌ 

 أشكو الظَّمَا وَالبَحْرُ جَمٌّ عَجَائِبُه وَغَيْرُ ملُوْمٍ مَنْ يؤمك قاصدًا 

 إذا عَظُمَت أَغرَاضُهُ وَمَذَاهِبُهُ فَوَقَعت الأَبيَات مِنَ الخَلِيْفَة بِموقع، وَأُدخل لَيلاً، وَوَانَسَهُ وَذَاكَرَهُ، وَأُخْرِج سرّاً رعَايَةً لِخَاطر الكَامِل.

 ثُمَّ حضَر النَّاصِر درسَ المُسْتَنْصِرِيَّة، فَبحثَ وَنَاظرَ وَالخَلِيْفَةُ فِي مَنْظَرته، فَقَامَ الوَجِيْه القَيْرَوَانِي وَمدح الخَلِيْفَة بِأَبيَاتٍ مِنْهَا: لَوْ كُنْتَ فِي يَوْم السَّقيفَة حَاضِراً 

 كُنْتَ المُقَدَّم وَالإِمَامَ الأَورعَا فَقَالَ النَّاصِرُ: أَخْطَأْت، قَدْ كَانَ العَبَّاس جدّ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ حَاضِراً وَلَمْ يَكُنِ المُقَدَّم إلَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ.

 فَأُمر بِنَفْيِ الوَجِيْه فَسَافر وَوَلِيَ بِمِصْرَ تَدْرِيساً، ثُمَّ خَلَعُوا عَلَى النَّاصِر وَحَاشيته، وَجَاءَ مَعَهُ رَسُوْلُ الدِّيْوَانِ فَأَلْبَسَه الخِلْعَة بِالكَرَك، وَركب بِالسَّنْجق الخليفْتِي وَزِيْد فِي لَقَبِهِ: الوَلِيّ المُهَاجِر، ثُمَّ رَاسلَهُ الكَامِل وَالأَشْرَف لَمَّا اخْتَلَفَا، وَطلب كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يؤازره، وجاء فِي الرّسليَة مِنْ مِصْرَ القَاضِي الأَشْرَف فَرجح جَانب الكَامِل، ثُمَّ تَوجّه إِلَيْهِ فَبَالغَ فِي تَعْظِيْمِهِ وَأَعَاد إِلَى عصمته ابْنته عَاشُورَاء وَأَرْكَبَهُ فِي دَسْت السَّلْطَنة، فَحْملَ لَهُ الغاشيةَ الملكُ العَادلُ وَلدُ الكَامِلِ وَوعدَهُ بِأَخْذِ دِمَشْق مِنَ الأَشْرَف وَردِّهَا إِلَيْهِ.

 وَلَمَّا مَاتَ الكَامِل بِدِمَشْقَ، مَا شكّ النَّاسُ أَنَّ النَّاصِر يَملكهَا، فَلَو بَذَلَ ذَهَباً لأَخْذَهَا، فَسلطنُوا الجَوَاد، فَفَارق النَّاصِر البَلَدَ، وَسَارَ إِلَى عَجْلُوْنَ، وَنَدِمَ فَجمعَ وَحشد وَاسْتَوْلَى عَلَى كَثِيْر مِنَ السَّاحِل، فَالتقَاهُ الجَوَادُ بِقُرْبِ جِنِيْنَ، فَانْكَسَرَ النَّاصِر وَذَهَبت خَزَائِنه، وَطلع إلى الكرك.

 ثُمَّ إِنَّ الجَوَاد تَمَاهَنَ وَأَعْطَى دِمَشْق لِلصَّالح، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ وَظَفِرَ النَّاصِر بِالصَّالِحِ، وَبَقِيَ فِي قَبضته أَشْهُراً، ثُمَّ ذهب مَعَهُ عَلَى عُهُود وَموَاثيق فَملَّكَهُ مِصْرَ وَلَمْ يَف لَهُ الصَّالِح عجزاً أَوِ اسْتكثَاراً؛ فَإِنَّهُ شَرَطَ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ دِمَشْق وَشَطْر مِصْر وَأَشيَاء.

 وَمِنْ حَسَنَاتِ النَّاصِر أَنَّ عَمَّهُ أَعْطَى الفِرَنْج القُدْس فَعمرُوا لَهُم قَلْعَةً فَجَاءَ النَّاصِر وَنصب عَلَيْهَا المَجَانِيْق وَأَخَذَهَا بِالأَمَان وَهَدَّ القَلْعَة، وَنَظَّفَ البَلَد مِنَ الفِرَنْج.

 ثُمَّ إِنَّ الْملك الصَّالِح أَسَاءَ إِلَى النَّاصِر، وَجَهَّزَ عَسْكَراً فَشعثُوا بِلاَده، وَأَخَذُوا مِنْهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُنَاكده وَمَا بَقَّى لَهُ سِوَى الكَرَك، ثُمَّ حَاصره فِي سَنَةِ 6 فَخرُ الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ أَيَّاماً وَتَرَحَّل، وَقَلَّ مَا بِيَدِ النَّاصِرِ، وَنفذَ رَسُوْلَهُ الخُسْرُوْشَاهِي مِنْ عِنْدِهِ إِلَى الصَّالِح، وَمَعَهُ ابْنه الأَمْجَد أَنْ يُعْطِيه خُبْزاً بِمِصْرَ وَيَتسلَّم الكَرَك فَأَجَابَهُ، وَمَرِضَ، فَانثنَىَ عزم النَّاصِر، وَضَاقَ النَّاصِر بكُلَف السَّلْطَنَة فَاسْتنَاب ابْنه عِيْسَى بِالكَرَك، وَأَخَذَ مَعَهُ جَوَاهر وَذخَائِر، فَأَكْرَمَه صَاحِب حَلَب، ثُمَّ سَارَ إِلَى بَغْدَادَ فَأَودع تِلْكَ النفَائِس عِنْد المُسْتَعْصِم وَهِيَ بِنَحْوٍ مِنْ مائَة أَلْف دِيْنَار، فَلَمْ يَصل إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا.

 وَبعدُ تَأَلَّمَ الأَمْجَدُ وَأَخُوْهُ الظَّاهِر لِكَوْنِ أَبِيهِمَا اسْتنَاب عَلَيْهِمَا المُعَظَّم عِيْسَى مَعَ كَوْنِه ابْنَ جَارِيَة، وَهُمَا فَأُمُّهُمَا بِنْتُ الكَامِلِ، وَكَانَتْ أُمّهُمَا مُحْسنَةً إِلَى الْملك الصَّالِح أَيَّام اعتقَاله بِالكَرَك، لأَنَّه أَخُوْهَا، فَكَانَ هَذَانِ يُحِبَّانه، وَيَأْنَس بِهِمَا، فَاتفقَا مَعَ أُمِّهِمَا عَلَى الْقَبْض علَى المُعَظَّمِ، فَفَعلاَ، وَاسْتوليَا عَلَى الكَرَك، وَسَارَ الأَمْجَد بِمفَاتِيحهَا إِلَى الصَّالِح، وَتوثَّق مِنْهُ فَأَعْطَاهُ خُبْزاً بِمِصْرَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى بَابِ الصَّالِح بَنو النَّاصِر فأقطعهم، وَعظم هَذَا عَلَى النَّاصِر لَمَّا سَمِعَ به فاعتم الصّالح أَن مَاتَ، وَانضمَّ النَّاصِر إِلَى النَّاصِر لَمَّا تَسَلْطَن بِالشَّامِ، فَتمرَّض السُّلْطَان، فَبَلَغَهُ أَن دَاوُد تَكَلَّمَ فِي أَمر الْملك فَحَبَسَهُ بِحِمْصَ مدة، ثم جاءت شَفَاعَةٌ مِنَ الخَلِيْفَةِ فَأُطلق فَسَارَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ إِلَى بَغْدَادَ ليطْلب وَديعتَه، فَمَا مُكِّن مِنَ العُبُور إِلَى بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالمَشْهَد، وَحَجّ وَتَشَفَّعَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنشِداً قصيدَةً، ثُمَّ إِنَّهُ مرض بِدِمَشْقَ وَمَاتَ، وَدُفِنَ بِالمُعَظَّمِيَّةِ عِنْد أَبِيْهِ.

 وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الدِّمْيَاطِيّ فِي "مُعْجَمِهِ"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا العَلاَّمَةُ الفَاضِل الْملك النَّاصِر.

 قُلْتُ: مَاتَ فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، مَاتَ بِطَاعُوْنٍ -رَحِمَهُ اللهُ، وَشيّعه السُّلْطَان مِنَ البُوَيضَاءِ، وَحزن عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا كَبِيْرُنَا وَشيخُنَا، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْمِيَّة عَاشت بَعْدَهُ.




عن الكاتب

حكاية وقصة ومعلومة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

حكاية وقصة ومعلومة